لطالما ارتبط مفهوم المسؤولية الاجتماعية في أذهان الكثيرين بفعل الخير الخيري والتبرعات المادية، وهو تصور جزئي لا يعكس الإمكانات الحقيقية لهذا المفهوم. ففي الوقت الذي لا تزال فيه بعض الشركات تكتفي بالتبرعات أو رعاية المناسبات، هناك مؤسسات بدأت تعيد تعريف المسؤولية الاجتماعية من زاوية أكثر استدامة وعمقًا: التمكين المهني الذكي.
الانتقال من مجرد العطاء إلى بناء القدرات يمثّل نقلة نوعية في كيفية مساهمة الشركات في تنمية المجتمعات. وفي القلب من هذه المقاربة، يأتي التوجيه المهني كأداة استراتيجية قادرة على تغيير حياة الأفراد، وتمكينهم من بناء مستقبل مهني قائم على الوعي، المهارة، والفرصة.
في هذا المقال، سنستعرض كيف يمكن للمؤسسات تبني التوجيه المهني كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية، وسنناقش الفارق بين الأسلوب التقليدي والنهج التمكيني، مع جدول يوضح أوجه المقارنة، بالإضافة إلى قسم الأسئلة الشائعة.

أولاً: ما هي المسؤولية الاجتماعية الذكية؟
المسؤولية الاجتماعية لم تعد مجرد التزام أخلاقي تجاه المجتمع، بل أصبحت جزءًا من استراتيجية الاستدامة والهوية المؤسسية. في صيغتها الذكية، تهدف إلى:
- خلق أثر مستدام يتجاوز اللحظة والحدث.
- تمكين الفئات المستهدفة بدلاً من اعتمادهم على العطاء المستمر.
- تعزيز الوعي والمهارات المهنية للأفراد لزيادة فرصهم في سوق العمل.
- ربط القيم المؤسسية بأهداف تنموية حقيقية.
وبدلًا من الإنفاق على مبادرات رمزية أو علاقات عامة، تتجه الشركات الرائدة إلى مشاريع تغيير حقيقية تؤدي إلى نقل الأفراد من موقع الاحتياج إلى موقع الإنتاج.
ثانياً: التوجيه المهني كأداة تمكين
ما هو التوجيه المهني؟
التوجيه المهني هو عملية تطويرية تفاعلية تهدف إلى مساعدة الأفراد على اكتشاف نقاط قوتهم، تحديد مساراتهم المهنية، وتطوير استراتيجيات فعالة لتحقيق أهدافهم الوظيفية.
من خلال التوجيه، يحصل الأفراد على دعم مخصص من خبراء أو محترفين يساعدونهم على تجاوز تحدياتهم، وبناء رؤية مستقبلية واضحة مبنية على الواقع والفرص.
لماذا التوجيه المهني أداة مثالية للمسؤولية الاجتماعية؟
لأنه لا يمنح الفرد سمكة، بل يعلمه كيف يصطاد:
- يعزز الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرار المهني.
- يساعد على ربط المهارات بسوق العمل الحقيقي.
- يوفر نقلًا عمليًا للخبرة والمعرفة.
- يخلق أثرًا طويل المدى ينعكس على الأسرة والمجتمع.

ثالثاً: الفئات المستفيدة من برامج التوجيه المهني
برامج التوجيه المهني ضمن المسؤولية الاجتماعية يمكن أن تستهدف شرائح متعددة، منها:
- الخريجون الجدد الذين يفتقرون للخبرة المهنية والتوجيه المناسب.
- الشباب العاطلون عن العمل ويحتاجون إلى دعم في تخطيط مساراتهم.
- النساء الباحثات عن تمكين اقتصادي ومهني.
- ذوو الدخل المحدود أو الخلفيات الاجتماعية الصعبة.
- الموظفون في بداية مسيرتهم المهنية داخل المؤسسات الراغبة في صقل قدراتهم.
رابعاً: الفرق بين المسؤولية الاجتماعية التقليدية والمسؤولية التمكينية الذكية
البند | المسؤولية الاجتماعية التقليدية | المسؤولية الاجتماعية التمكينية الذكية |
النمط | تبرع، دعم مناسبات، مساعدات مالية | تطوير مهني، بناء قدرات، تمكين نفسي واقتصادي |
الهدف | خلق انطباع إيجابي مؤقت | تحقيق أثر مستدام على مستوى الفرد والمجتمع |
مدة الأثر | مؤقت وقصير الأجل | طويل الأمد وقابل للقياس |
المنهجية | أحادية (مؤسسة تعطي وجمهور يتلقى) | تشاركية (مؤسسة تُمكّن وفرد يشارك ويتعلم) |
نموذج العمل | علاقات عامة ومجتمعية | نموذج تنموي مبني على الاستثمار في الإنسان |
العائد المجتمعي | رضا لحظي للمجتمع | تحسن حقيقي في فرص العمل، الدخل، والاستقرار |
علاقة المؤسسة بالمستفيد | متلقٍ سلبي | شريك نشط في عملية التطوير |
خامساً: خطوات تنفيذ برنامج توجيه مهني ضمن المسؤولية الاجتماعية
لإنجاح مبادرة توجيه مهني، تحتاج المؤسسات إلى منهجية واضحة تشمل:
1. تحليل احتياجات الفئة المستهدفة:
من خلال دراسات ميدانية أو شراكات مع مؤسسات تعليمية أو منظمات مجتمع مدني.
2. تحديد الأهداف والنتائج المتوقعة:
مثلاً، رفع جاهزية الخريجين للعمل بنسبة معينة خلال 6 أشهر.
3. تصميم برنامج توجيه احترافي:
يشمل مقابلات فردية، ورش عمل، أدوات تقييم شخصية، تدريب على المهارات الناعمة (Soft Skills)، والتخطيط المهني.
4. اختيار وتدريب الموجهين (Mentors):
سواء من داخل المؤسسة أو عبر شبكة من المتطوعين ذوي الخبرة.
5. القياس والتقييم:
بوضع مؤشرات أداء (KPIs) تقيس مدى التحول في سلوكيات، مهارات، وفرص المشاركين.
6. التوسع والتكرار:
تحويل البرنامج إلى مبادرة دورية قابلة للتوسع، تشمل مناطق أو فئات جديدة.
سادساً: قصص نجاح حقيقية
- إحدى الشركات التقنية أطلقت برنامج توجيه مهني للنساء العاطلات عن العمل، فكانت النتيجة توظيف 40% منهن خلال أقل من عام.
- شركة لوجستية درّبت مجموعة من خريجي الجامعات غير المؤهلين وظيفيًا، مما جعل 70% منهم يحصلون على فرص تدريب ثم توظيف دائم.
- منظمة دولية طبّقت التوجيه المهني في المدارس الثانوية، مما أدى إلى ارتفاع نسبة اختيار التخصصات المناسبة بنسبة 60%.
سابعاً: الأسئلة الشائعة (FAQ)
1. هل يتطلب التوجيه المهني تكلفة عالية لتنفيذه ضمن المسؤولية الاجتماعية؟
ليس بالضرورة، حيث يمكن الاعتماد على خبرات موظفي المؤسسة أو التعاون مع موجهين متطوعين من المجتمع.
2. ما الفرق بين التوجيه المهني والإرشاد الأكاديمي؟
التوجيه المهني يركز على المسار العملي والتوظيفي، بينما الإرشاد الأكاديمي يركّز على التخصصات الدراسية والنجاح التعليمي.
3. هل يُشترط أن تكون الشركة كبيرة لتنفيذ هذه البرامج؟
لا. حتى الشركات المتوسطة والصغيرة يمكنها تنفيذ برامج موجهة بالتعاون مع مؤسسات محلية.
4. هل هناك أدوات رقمية يمكن استخدامها في التوجيه المهني؟
نعم، مثل منصات up level لتقييم المهارات، واستخدام أدوات مثل MBTI أو StrengthsFinder لتحليل الشخصية.
5. ما مدى جدوى التوجيه المهني مقارنة بالمساعدات المالية؟
المساعدات تستهلك وتنتهي، أما التوجيه يغيّر عقلية الفرد ويؤهله ليخلق فرصته بنفسه، مما يجعله أكثر جدوى واستدامة.
منصة UpLevel
- منصة توجيه وتدريب رقمي متكامل: تقدم جلسات إرشاد فردية وبرامج كوتشينغ جماعية عبر منصة رقمية متطورة، تستهدف الأفراد والشركات معاً.
- خدمات موجهة لكل فئة:
- إرشاد فردي (mentorship) لتعزيز المهارات الشخصية والمهنية.
- كوتشينغ مخصّص للقادة والمدراء.
- تدريب فردي للفِرق على مهارات تقنية وتنظيمية.
- ورش عمل وجلسات جماعية لرفع أداء فرق العمل.
- خبراء معتمدون ومتخصصون: يضم فريقاً واسعاً من المرشدين والمدربين في مجالات مثل القيادة، الإدارة، الموارد البشرية، التقنية، التسويق، القانون، والمالي، جميعهم من أصحاب الخبرة والشهادات المتخصصة.
- استهداف الأفراد والشركات: تخدم المنصة التطوير الشخصي لرواد الأعمال والموظفين، إضافة إلى البرامج المؤسسية الموجهة لتحقيق أداء مؤسسي أعلى.
- محتوى داعم وموثّق: تنشر مقالات ودراسات حالة حول مواضيع مثل قياس الأداء، تطوير الكفاءات، وقياس العائد على الاستثمار في التدريب المهني.
- انطلاقها واستثمارها:
- تأسست في أبريل 2024 بقيادة إدريس الشايع وحمد اللحيدان.
- حصلت على جولة تمويل تأسيسية (Pre‑Seed) من مستثمرين ملائكيين.
مقرها في الرياض، وتواصل فعّال: مقر الشركة في شارع العليا بالرياض، وتتم مراعاة التعاون عبر
البريد الإلكتروني
الواتساب، مع إمكانية حجز عرض تجريبي.
خاتمة
المسؤولية الاجتماعية الفعالة ليست تلك التي تخلق لحظة إعجاب، بل التي تترك أثرًا حقيقيًا في حياة الناس. التوجيه المهني الذكي هو أداة عصرية وفعالة لتحويل المجتمعات من الاعتماد إلى الاعتماد على الذات، من الاحتياج إلى الإنتاج، ومن التلقي إلى التمكين.
إنه استثمار لا في الناس فقط، بل في مستقبل السوق، والاقتصاد، والمجتمع ككل. حين تتبنى المؤسسات هذا النهج، فإنها لا تصنع فرقًا فقط في حياة الأفراد، بل تخلق جيلًا أكثر وعيًا، جاهزية، وثقة.
التمكين هو التبرع الجديد… والوعي هو رأس المال الحقيقي.
